” … كل شيء إذن بالمغرب بدأ مع العرب وبالعرب وينتهي إلى العرب. فقبل 681 لم يكن هناك أي شيء يذكر لأنه لم يكن هناك عرب، كان هناك فقط الأمازيغيون ، وهو ما يدخل في “لاشيء” بالنسبة لمؤرخ وزارة السياحة . ولنلاحظ تشديد هذا “المؤرخ” على كلمة “العرب” عندما كتب: «بداية فتح المغرب من قبل العرب ودخول الإسلام إلى البلاد». لماذا لم يكتف بالقول: “فتح المغرب من قبل المسلمين” أو “دخول الإسلام إلى المغرب”؟ لأن ذلك لن يبرز بما فيه الكفاية دور العرب كسلالة وعرق في تأسيس الدولة المغربية. إنها عنصرية رسمية مكشوفة ومفضوحة…” . ( الأستاذ المناضل ماسّْ مُحْمّْدْ بودهان الأمازيغيّ في مقاله : ” الكذب الرسمي والتزوير الحكومي لحقائق التاريخ الخاصة بالأمازيغيين ” ، “ثاويزا” ، ؤُطُّونْ 94 ) . قالوا ويقولون وسيقولون وسوف يقولون: ” إن الأُمَّة الأمازيغية قد كانت – قبل المشارقة العرب – أُمَّة وثنية ومجوسية تعبد النار والأصنام والحيوان والشمس والقمر ، ولا تعبد الله تعالى رب العالمين ، و ظلتْ كذلك حتى قدوم الآسيويين العرب إلى هذه الأرض الإفريقية الأمازيغية / بلاد تامازغا Tamazgha ، فأخرجوا الشعبَ الأمازيغي من ظلمات الكفر والوثنية والمجوسية و الشرك إلى نور العقيدة و الديانة الإسلاميتين” ! ويضيفون: ” ولولا العرب لكان الأمازيغ لا يزالون – حتى اليوم – يعبدون الشجر والحجـــر والبشر والبقر” ، على حد زعمهم: فالمشارقة العرب ” هم الذين أنقذونا من التخلف و الكفر و الشرك ، هم الذين جاؤوا إلى هذه البلاد الأمازيغية بالحياة “ !!! إلى آخر ما يزعمون ويَدَّعُون ويحلمون ( أحلام اليقظة في الغالب!) ، كأننا – نحن الأمازيغ – كنا أمواتا غير أحياء فقام العرب بإحيائنا ، بل كأننا كنا عدما ، لا وجود لنا ، فقام الآسيويون العرب بخلقنا و إنشائنا و إخراجنا من العدم إلى الوجود ، أي من ” العدم” الأمازيغي إلى ” الوجود” العربي ! ( وهنا يظهر أنهم قد نجحوا، فعلا، في تحويل الوجود الأمازيغي إلى ” عدم” و العدم العربي إلى “وجود” في هذه الأرض الأمازيغية ، بلاد تامازغا / منطقة إفريقيا الشمالية ) .
فهل نحن الأمازيغيين لم نكن ، فعلا ، موحدين و مسلمين ومؤمنين بالله تعالى و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الأخر و القدر خيره و شره إلا بعد المشارقة العرب لا قبلهم ؟! وهل كان هؤلاء العرب أنفسهم ، قــبل الإسلام و بعــده ، مؤمنيــن وموحدين و مسلمين ، و لم يكونوا مشركين و وثنيين و كفارا و منافقين ؟!
يذكر التاريخ أن الأمة الأمازيغية كانت من أمم التوحيد والإيمان والدين ، أمة الإجابة لا أمة الدعوة . فلقد كان الأمازيغيون Imazighen يهوديين إبان الديانة اليهودية ، ومسيحيين في عهد الديانة المسيحية ، ثم مسلمين بعد ظهور الديانة الإسلامية . و هــذا مــا يُفنّد ويُكذّب الزعم الباطل الذي يقول: ” كان الأمازيغ قبل العرب ( يقصدون قبل الإسلام، كأنَّ العرب لم يكونوا موجودين قبل الإسلام ! ) مجوسيين لايعرفون التوحيد ” !! لأن الحقيقة و الواقــع يؤكـــدان- وهمــا صادقان لا يكذبـان -أن الأمازيغيين كانــوا موحديــن ومؤمنين بالله تعالى وكتبه ورسله منذ ظهور الديانة السماوية الأولى ( الديانة اليهودية) و نزول التوراة كتاب الله تعالى على قلب رسوله سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام .
أما الديانة السماوية الأخيرة (الديانة الإسلامية) فقد آمن بها الأمازيغيون واعتنقوها بعد ظهورها في القرن السابع الميلادي ، إذْ لا يمكــن ولايعقل أن يؤمنوا بها قبل ظهورها وقبل وجودها (أي قبل القرن السابع الميلادي) . وهذا يعني أن الأمازيغ كانوا سيؤمنون بالإسلام وبالقرءان و برسول الله تعالى سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم ، حتى و لو لم يكن هناك لا عقبة و لا موسى و لا حسان ولا إدريس و لا شكيب و لا عرب و لا عروبة ، تماما مثلما ءامنوا بالديانتين اليهودية ثم المسيحية من قبل .
أقول: إن كثيرا من “المؤرخين” يزعمون أن الأمازيغيين كانوا ، قبل العرب ، لا يعبدون الله تعالى رب العالمين ، أي أنهم لم يعتنقوا الديانتين السماويتين: اليهودية و المسيحية ( ديانة سيدنا موسى و ديانة سيدنا عيسى بن مريم عليهم السلام) . ولعل هؤلاء المؤرخين إنما نقلوا ما قاله قبلهم العلامة ابن خلدون في ” تاريخه” عند حديثه عن ” أخبار الأمازيغ قبل الفتح الإسلامي و من بعده إلى ولاية بني الأغلب” . يقول ابن خلدون عن الأمازيغيين: «و كان دينهم دين المجوسية شأن الأعاجم كلهم بالمشرق و المغرب». ( تاريخ ابن خلدون، الجزء السادس، ص 139) . بَيْدَ أنَّ هؤلاء المؤرخين نقلــوا و تناقلــوا هذه العــبارة ” الخلدونية” وحدهــا، و تجاهلوا ما قاله الإمام ابن خلدون – نفسه – في اماكن اخرى من “تاريخه” المذكور . قال رحمه الله: « و كذلك ربما كان بعض هؤلاء البربر دانوا بدين اليهودية… فكان البربر بافريقية والمغرب قبل الإسلام على دين النصرانية» . ( تاريخ ابن خلدون: الجزء السادس، ص 140-141) . ثم قال عن كل من الملك الأمازيغي أكسيل ( كُّووْسيلا Ggu wsila ) و سكرديد بن مازوت من منطقة أورابن ( أوربة) ، أنهما «كانا على دين النصرانية ، فأسلما أول الفتح» . ( نفسه. ص 142) . ثم قال في الأمازيغ قبل الإسلام: « و كان منهم من تهود ومن تنصر ، وآخرون مجوسا يعبدون الشمس و القمر والأصنام، و لهم ملوك و رؤساء». ( تاريخ ابن خلدون: ج 6 . ص 123) . وقال عن أهل منطقة Izenagn ( صنهاجة) أنهم كانــوا قبل الإســلام « على دين المجوسـيـة و لم يدينــوا بالنصرانيــة». ( نفسه. ج 6 ، ص 142) .
إذن، خلافا لما يزعمه الزاعمون من هؤلاء و أُلئك قديما و حاليا، ليس كل الأمازيغ ، قبل الإسلام ، غير موحدين و غير مؤمنين . بل كانوا على الديانة السماوية ( اليهودية أو المسيحية)، كما كان بعضهم على عبادة الأصنام ، شأنهم شأن غيرهم من الأمم و الشعوب في عالم ذلك الزمان ( قبل و أثناء وبعد القرن السابع الميلادي) . فهذا هو الواقع لا ما يزعمه الزاعمون الذين يهرفون بما لا يعرفون . فلماذا تنكر الحقائق؟! ألا يكفيهم الكذب و الافتراء على الحاضر و المستقبل و على الأحياء؟! لماذا يريدون الكذب على الماضي و على الأموات كذلك؟!
كما أن أعمال المفكر الأمازيغي الكبير ماس أريوس ( المتوفى في السنة الأمازيغية 1286، الموافق للسنة الميلادية 336) تعتبر دليلا قاطعا على أن الأمازيغ كانوا موحدين و مؤمنين بالله تعالى قبل العرب. فقد كان العلامة الأمازيغي الأستاذ أريوس من رجال الدين الأمازيغ الذين اعتنقوا الديانة السماوية المسيحية. وفي بداية القرن الرابع الميلادي أسس أريوس ما يعرف ب : Taryusit (الأريوسية (، و هي مقاربة عقلانية أمازيغية للدين المسيحي . و تتجلى هذه المقاربة في تبني مبدأ التوحيد المطلق القائل بأن الله واحد ، لا والد له و لا ولد و لا شريك . أما المسيح النبي عيسى بن مريم عليهما السلام فهو – يقول أريوس – كائن مخلوق ، و بالتالي لا يمكن أن يكون إلها و لا مشتركا مع الله في ألوهيته ، لأن الألوهية لا يمكن أن تتعدد … ( للمزيد، أنظر كتاب ” مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة الأمازيغية القديمة ” للدكتور ماس عبد السلام بن مَيْسَ . ص: 213 – 218 ) .
كما تجدر الإشارة، كذلك، إلى أن العرب، قبل الإسلام و بعده، قد كانوا – كما هو معلوم – وثنيين يعبدون الأصنام، و لا يعبدون الله تعالى رب العالمين. و أول من أدخل الأصنام إلى بلاد العرب ( منطقة آسيا الغربية / شبه الجزيرة العربية ) هو أمير الحجاز عمرو بن لحي بن حارثة من ولد كهلان بن سبأ الخزاعي العربي، و هو الذي سن للمشارقة العرب عبادة الأوثان « و كان ذلك سنة 400 قبل الإسلام = سنة 200 ميلادية».
( كتاب “الدين المقارن: بحث في سائر الديانات العالمية ” للأستاذ محمود أبو الفيض المنوفي . ص: 144 ) . وكان للعرب 365 صنما عربيا بعدد أيام السنة . وأكبر هذه الأصنام العربية هو ” هبل” ثم ” اللات” و ” العزى” و ” ذو الخلقة” … إلخ . وقد إرتد العرب عن دين أبيهم النبي إسماعيل بن إبراهيم الكلداني ، إلى عبادة الأوثان و الأصنام، و رغبوا عن ملة جدهم النبي إبراهيم بن ءازر عليه السلام ، منذ سنة 200 ميلادية إلى ما بعد ظهور الدين الإسلامي العالمي الكوني ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) .
قال الشيخ ابن كثير في تفسير قول الله تعالى رب العالمين في أول سورة يس: « لِتُنْذِرَ قوماً ما أُنذر آباؤُهم فهم غافلون ، لقد حَقَّ القولُ على أكثرهم ، فهم لا يومنون » . قال: «يعني بهم العرب ، فإنه ما أتاهم من نذير من قبله» ، أيْ النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . ( تفسير القرءان العظيم لابن كثير: الجزء الخامس. ص: 600) . وقال كذلك ( أي ابن كثير) في تفسير قول الله تعالى في سورة الجمعة : {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} . قال : (( وذلك أن العرب كانوا قديماً متمسكين بدين إبراهيم الخليل عليه السلام، فبدّلوه وغيّروه وقلبوه وخالفوه ، واستبدلوا بالتوحيد شركاً وباليقين شكاً ، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله )) . (نفسه ، ج 7 . ص 6) .
وقال الشيخ سيد قطب في كتابه ” في ظلال القرءان”: « فماذا كان أولئك العرب و الأعراب قبل أن يأتيهم الإسلام؟ إنهم لم يكونوا شيئا مذكورا، لم تكن الدنيا تعرفهم و لا تحس بهم، كانوا فرقا و مزقا لا وزن لها و لا قيمة، لم يكن لديهم شيء يعطونه للبشرية فتعرفهم به، بل لم يكن لديهم شيء يعطونه لأنفسهم فيغنيهم ، لم يكن لديهم شيء على الإطلاق، لا مادي و لا معنوي. كانوا فقراء يعيشون في شظف، إلا قلة منهم تعيش في ترف، و لكنه ترف غليظ ساذج هابط …! و كانوا كذلك فقراء العقل و الروح و الضمير، عقيدتهم مهلهلة ساذجة سخيفة، و تصورهم للحياة بدائي قبلي محدود، و اهتماماتهم في الحياة لا تتعدى الغارات الخاطفة، و الثارات الحادة، و اللهو و الشراب و القمار، و المتاع الساذج الصغير على كل حال!» . ( كتاب “في ظلال القرءان” لسيد قطب ، الطبعة السابعة 1971 ببيروت ، الجزء الثاني / المجلد الأول. ص 368 / سورة البقرة ) .
و يقول العلامة ابن خلدون في “تاريخه” : « وكانتْ قبائل مضر مع ذلك ، بل وسائر العرب، أهلَ بغي وإلحاد وقطع للأرحام وتنافس في الردى وإعراض عن ذِكْر الله ، فكانتْ عبادتهم الأوثان والحجارة … » . ( تاريخ ابن خ . الجزء الثاني . ص : 405 ) .
براهيم أسافو ؤُتْمازْغا / أكادير .
أكتب تعليقك هنا